الثلاثاء، 11 مايو 2010

التدبير المفوض للمرافق العامة و المنافسة

الميلود بوطريكي

أستاذ القانون الإداري بالكلية المتعددة التخصصات بالناضور

التدبير المفوض هو طريقة لتنظيم الأنشطة التي تقوم بإشراك المقاولات في تنفيذ مهمات المرفق العام، فهو الأداة المفضلة لمفهوم حديث للشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص، وهو طريقة لاستغلال المرفق العام تتماشى مع الحاجات و الإكراهات الاقتصادية للجماعات العمومية[1].

تطور مفهوم التدبير المفوض بالأساس في نهاية القرن العشرين، من أجل الاستجابة للحاجات المتزايدة للجماعات المحلية، وتم تجديد أهمية التدبير المفوض في التسعينيات.

يمكن تسيير العديد من القطاعات عن طريق التدبير المفوض، إذ توكل مهمة المرفق العام إلى فاعل متميز عن الجماعة العمومية. وقد اعترف المشرع المغربي صراحة بتقنية التدبير المفوض مع قانون رقم05/54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمة الصادر بتاريخ14فبراير [2]2006. وقد جاء هذا القانون بالعديد من المقتضيات بهدف توفير إطار قانوني ملائم مع التطورات السياسية و الاقتصادية لهذه العقود، وتم وضع مساطر صارمة لإبرام عقود التدبير المفوض غايتها ضمان الشفافية و المنافسة، لذلك يتجه قانون التدبير المفوض للمرافق العامة للتقرب من قانون الصفقات العمومية، فهذا الأخير نوع من قانون نموذجي على اعتبار انه يضم قواعد تؤطر جميع المراحل المسطرية لتنفيذ عقد الصفقة العمومية.

و التدبير المفوض هو "عقد يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى المفوض لمدة محددة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمـى « المفوض إليه » يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا. ويمكن أن يتعلق التدبير المفوض كذلك بإنجاز أو تدبير منشأة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العام المفوض"[3].

غير أن المغرب لم ينتظر دخول القانون الجديد ليجرب ممارسة التدبير المفوض للمرافق العامة. إذ يوجد في المغرب تقليد راسخ لمشاركة الخواص في تسيير المرافق العامة .و بالعودة إلى الماضي، فإننا نجد أثارا في فترة الحماية لعقود الامتياز لتسيير المرفق العام في مجال توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء منذ 1914[4].

إلا أنه بعد الاستقلال تدعم تدخل الدولة في الاقتصاد خاصة عن طريق إنشاء الوكالات المكلفة بتسيير المرافق العامة الأساسية ،بيد أن هذه الوكالات لم تكن تتوفر لا على الموارد المالية ولا على التحكم الكافي في التقنية للقيام بشكل جيد بالعمليات الكبرى التي تتلاءم مع تطور الحاجات ، بل لم تكن تتوفر حتى على الوسائل المادية والبشرية الملائمة، بحيث أن التأخير في تحسين الشبكات وتدهور جودة الخدمات المقدمة للمستعملين كان أمرا متواترا.

لذلك كان من الضروري وضع نمط للتسيير أكثر عقلانية وأكثر فعالية، فكانت هناك فترة إنتقالية من التسيير المركزي نحو تفويض المرافق العامة إلى القطاع الخاص.

ومنذ سنوات 1996 _1997 تم إعادة اكتشاف اتفاقيات الامتياز والتدبير المفوض للمرافق العامة[5]،ويمكن أن نذكر مثالا لهذا التجديد للشراكة العامة والخاصة عقد تفويض المرفق العام لتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل للدار البيضاء المسند في هذه إلى الفترة إلى شركة ريضال .وفي السنوات الموالية تعدد تفويض تسيير المرافق العامة إلى الخواص خاصة في مجالات توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل وجمع ومعالجة النفايات ، ومجالات استغلال الموانئ أيضا مع الاتفاقيات العديدة لامتياز المرافق العامة المبرمة بمناسبة بناء ميناء طنجة البحر الأبيض المتوسط ،ومجال النقل (عقود الامتياز لتسيير الطرق السيارة بالمغرب). رغم أنه كان يتم اللجوء في الممارسة إلى هذا النوع من الاتفاقيات للتدبير المفوض، فإن الإطار القانوني الخاص بهذه الأخيرة كان شبه منعدم إلى غاية دخول القانون إلى حيز التنفيذ. وكان ينتج من الغياب الشبه التام للإطار القانوني العديد من الصعوبات العملية ، والانتقادات والشكوك القانونية التي حاولت الممارسة التعاقدية مواجهتها [6].

فإذا كان قد تم اعتماد نظام جديد في 1998 و2007 لتحديث قواعد إبرام الصفقات العمومية ، فإن هذا النظام قد استبعد صراحة من مجال تطبيقه عقود امتياز المرافق العامة ، وكانت مواثيق تنظيم الجماعات والعمالات والأقاليم تحيل إلى التدبير المفوض في 2002 .

إن الجماعة لم تعد هي الفاعل ،بل أصبحت هي المراقب، فالمرفق يفوض لفاعل خارجي، و الميزة الأساسية للتدبير المفوض هو جعل المفوض إليه يتحمل كل أو جزءا من الاستثمارات الضرورية لاستغلال المرفق و تحمل مسؤولية الاستغلال، وفي هذا السياق،فإن التفويض هو أداة مهمة بالنسبة للجماعات المحلية في قطاعات كالماء و التطهير و تدبير النفايات.

إن التدبير المفوض للمرافق العامة، طريقة أصيلة في التسيير، مؤطرة بواسطة مساطر تهدف إلى إقامة شراكة فعالة بالمفهوم القانوني و الاقتصادي للمصطلح، ولأن التفويض يفوض لأحد الفاعلين مهمة تسيير مرفق عام ، فإن نظام الانتقاء يكتسي رهانا أساسيا.و بالتالي فإن النظام القانوني الحالي للتدبير المفوض للمرافق العامة يمكن أن يكون موضوع العديد من التساؤلات فيما يخص قدرتها على الاستجابة لانشغالات فعالية هذا النمط من التسيير، إذ تلعب حرية المنافسة نظريا دور الكاشف الاساسى للتوازن الاقتصادي المثالي. وسيكون من المهم التركيز على إشكالية مرحلة منح التفويض و التي تحدد الاقتصاد العام للعقد و التسيير المستقبلي له.

فهذا القانون يجب عليه أن يوفق بين أمرين متميزين: منح الشخص العام نوعا من الحرية في تسيير المرافق العامة و احترام المقتضيات المتعلقة بمجال مجال المنافسة. غير أنه في الوقت الذي يتميز فيه التدبير المفوض بواسطة منح تسيير المرفق العام لفاعل وحيد و مقتضيات تشريعية من أجل تشجيع منافسة فعالة، يمكن أن نتساءل إذن عن مكانة المنافسة في نظام إبرام عقود التدبير المفوض للمرافق العامة.

للإجابة عن هذه الإشكالية سنتناول في مطلب أول مسطرة التدبير المفوض للمرفق العام في خدمة المنافسة ثم نتناول في مطلب ثان واقع التدبير المفوض: تكريس لوضعية احتكارية.

المطلب الأول: مسطرة التدبير المفوض للمرفق العام في خدمة المنافسة

تكمن خصوصية التدبير المفوض للمرفق العام في الإنشاء الإرادي لاحتكار، في حين أن الرهان هو الحصول على عرض ملائم و انتقاء شريك.

يعني الاحتكار القانوني غياب المنافسة التقليدية نظرا لاكراهات قانونية،في حين أن المنافسة عنصر أساسي لسير إن لم يكن مثالي ،فهو على الأقل يرضي مختلف الفاعلين ، بمعنى إشباع كل المصالح و خاصة المصلحة العامة.

و يجد التدبير المفوض ضالته في الإمكانية الممنوحة للجماعة المحلية لاختيار نظام فعال. و هذا الاختيار مشروط بغايته و هو مؤطر.

الفرع الأول: اختيار مؤطر

تنتج عملية تفويض المرفق العام من قرار تسييري بموجبه يفوض تموين المرفق العام إلى فاعل خارجي، وهو هامش من الحرية متروك للجماعة، و لكنه يوجد إطار للقيام بذلك.

فحسب مبدأ حرية الإدارة[7]، توصف الجماعة بالمنظم،فهي التي تحدد أنماط تنفيذ المرفق لوقت محدد.

الفقرة الأولى: الاختيار التقديري للجماعة العمومية بين مناهج التسيير

يفصل كل شخص عام بين التسيير الداخلي و التسيير الخارجي فيما يخص مرافقه العامة عندما تكون هذه الأخيرة قابلة للتفويض.

يمكن للإدارة أن تختار التدبير المفوض لتسيير مرفق ما، كما يمكن أن تقرر تسييره هي بنفسها. فالإدارة تقرر بكل حرية ولكن تحت وصاية الدولة، وهو مبدأ أفقي و عمودي و المجالس الجماعية هي التي تتداول بهذا الشأن.

و بخصوص طريقة التسيير المحلي للمرافق العامة، فإن التدبير المفوض هو مناسبة بالنسبة للجماعات المحلية لإظهار شكليا و بواسطة جهازها التنفيذي مؤهلاتها و تشجيع ديمقراطية القرب. إذ يمكن تسيير نشاط مرفقي بطريقة مختلفة و هي فرصة بالنسبة للجماعة المحلية لتأكيد نفسها كسلطة منظمة محليا.

ويمكن مقابلة منطق التسيير المباشر مع منطق التسيير المفوض وإقامة منافسة فيما بينهما. وتتميز الوكالة المباشرة بالإرادة السياسية للجماعة للحفاظ على تحكمها الكلي في المرفق. و في هذا الاتجاه فهي تعمل ضد تفكيك الإدارة. وهو ما يتطور في مجالات مختلفة، فتنشأ الجماعة المرفق بكل استقلالية و تتحمل النتائج القانونية و المالية، فهي المسؤولة عن التسيير اليومي له. و العائق الأساسي الذي يعترض هذا النمط من التسيير هو ذو طابع مالي، فقواعد المالية العامة لا تعتبر ملائمة لأنها جد جامدة لتسيير المرافق العامة الصناعية و التجارية. و يعتبر المرور من طريقة للتسيير إلى أخرى ممكنا[8] حسب مبدأ قابلية طرق التسيير للمراجعة. رغم أن ذلك يصطدم بنوع من الصرامة و الجمود إذ يمكن أن تظهر مشاكل قانونية و مالية بسبب التغيير في التنظيم.

ويمكن أن يظهر الحفاظ على تسيير عن طريق الوكالة ذو مصداقية مسألة إستراتيجية، وهو بالفعل عامل للمنافسة، و يبقى العودة إلى الوكالة قرارا-جزاء في مواجهة فاعل غير فاعل.و في بعض الوضعيات ،فإن التهديد بالعودة إلى الوكالة يبقى هو المنافسة الوحيدة الباقية.

وإذا كان الاختيار بين الوكالة و التفويض يتم نظريا بالنسبة لكل عقد أو تجديد له، فبدون شك سيكون تفويض تسيير مرفق ما أيسر من العودة إلى التسيير المباشر.

الفقرة الثانية: تعريف الخدمة و تحديد وظيفة الإنتاج

تفوض الجماعة الترابية المفوضة أملاك موجودة )مثلا البنيات التحتية لتوزيع الماء و التطهير السائل (إلى المفوض إليه لتسيير المرفق العام و يحصل المستغل على أجره من الخدمة المقدمة و لكنه لا يحدد باستقلال وظيفته الإنتاجية، إذ يصف دفتر التحملات الخدمة المنتظرة و هناك قواعد تخص المدة و الشؤون المالية.

يحدد دفتر التحملات مسبقا أعمال المفوض اليه بتحديد موضوع و التزامات الطرفين.فهو يحدد إجباريا طبيعة الأشغال الضرورية لتنفيذ الخدمات و شروط انجاز هذه الأشغال ، ويفرض قانون رقم 05/54 على المفوض إليه بعض الاكراهات ، فيتحمل الاستمرارية و المساواة و قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير[9].

وتعرف الاستمرارية كإشباع ضروري في أحسن الظروف لحاجات المصلحة العامة و ذلك بطريقة منتظمة، و إذا كان هناك مساواة أمام المرفق فهذا يعني المساواة في الولوج و المساواة أمام الأعباء بالنسبة لكل شخص يوجد في وضعية مماثلة. وأخيرا فإن القابلية للتعديل و التغيير هي مبدأ يقتضي تدخل السلطة العمومية في تسيير المرفق المفوض ، فالتفويض ما هو إلا تسيير غير مباشر و لا يتعلق الأمر هنا بالتخلي كليا عن المرفق ، فالبنظر إلى الطبيعة الإدارية للعقد تحتفظ السلطة العامة بامتيازات للتدخل بهدف تعديل الخدمات و تطويرها مع الحاجات الجديدة للمستعملين.

فتسيير المرفق العام يتم تفويضه،غير أن الخدمة المقدمة يتم تحديدها من طرف السلطة المنظمة و يتم توضيحها من خلال دفتر التحملات.

وتخضع الجماعة التي تريد تفويض المرفق العام لشروط خاصة: قواعد متعلقة بالمدة و قواعد مالية، يحدد التفويض أجر المفوض إليه حسب الاستثمارات و الخدمة المنجزة عند إبرام العقد، وتشكل الأرباح المحققة في مجال الإنتاجية خلال الممارسة مصدرا إضافيا للربح، وتعتبر المدة معطى استراتيجي[10]ا،فكلما كانت مدة التفويض طويلة كلما زادت إمكانية الحصول على أرباح في مجال الإنتاجية و التجربة ستكون مهمة، وعلى عكس مصلحة المفوض إليه، فإن الجماعة ترغب الحد من هذه المدة من اجل تطوير المرفق العام.

ومن أجل التوفيق بين هاتين المصلحتين ، ينظم قانون05/54 المتعلق بالتدبير المفوض هذه المدة، فالمادة 13تحدد المبادئ المتعلقة بالمدة الكلية للتفويض و طريقة تحديد المدة و الاستثناءات في المجال . و تعتبر نهايته مفروضة و مدة العقد تبرر بتوازنه المالي.

فمنذ تعريفه، أكد المشرع على المدة المحدودة للتدبير المفوض، وتذكر المادة أعلاه بهذا المبدأ بقولها: " يجب أن تكون مدة كل عقد تدبير مفوض محددة ".و لتحديد هذه المدة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار طبيعة الأعمال المطلوبة من المفوض إليه والاستثمار الذي يجب أن ينجزه، ولا يمكن أن تتجاوز المدة العادية لاستهلاك الإنشاءات عندما تكون المنشآت ممولة من قبل المفوض إليه ".

هذا وتعتبر شروط تمديد هذه المدة مؤطرة جدا بواسطة القانون الذي ينص على ضرورة احترام بعض الشكليات المهمة :

- لا يمكن أن يتم التمديد إلا مرة واحدة، و

- يجب تبريره في تقرير يعده المفوض.

- أن يكون موضوع عقد ملحق بعقد التدبير المفوض.

- لا يمكن القيام بهذا التمديد من قبل الجماعات المحلية وهيآتها إلا بعد مداولة خاصة للجهاز المختص.

- لا يمكن تمديد مدة العقد إلا عندما يكون المفوض إليه ملزما بإنجاز أشغال غير واردة في العقد الأولي من شأنها أن تغير الاقتصاد العام للتدبير المفوض، ولا يمكن استهلاكها خلال مدة العقد المتبقية إلا مقابل رفع مفرط في الثمن بشكل جلي، ويجب أن تنحصر قصرا مدة التمديد على الآجال الضرورية لإعادة توفير شروط استمرارية المرفق أو التوازن المالي للعقد.

كما يوضح القانون القواعد المتعلقة بالشروط المالية، فالمادة 15 من قانون 05- 54 يجب على المفوض إليه أن يمسك محاسبته طبقا للقانون رقم 88-9 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها الصادر بتاريخ 25 دجنبر 1992.وعندما تفوض عدة أنشطة مرفق عام إلى المفوض إليه،يجب عليه أن يعد قوائم تركيبية سنوية منفصلة تعكس صورة صادقة عن الذمة المالية والوضعية المالية ونتائج كل نشاط مفوض. كما ينص القانون في المادة 16 على أنه: " يجب أن تعاد أموال الرجوع إجباريا إلى المفوض عند نهاية التدبير المفوض. وتتضمن بالخصوص الأراضي والبنايات والمنشآت والإنشاءات والمعدات والأشياء المنقولة الموضوعة رهن تصرف المفوض إليه من قبل المفوض، وتشمل كذلك الأموال التابعة للملك العام ". ويضيف على أنه: " يمكن أن تشمل أموال الرجوع الأموال المنقولة والتي اعتبارا لأهميتها تساهم جوهريا في سير المرفق العام ".

رغم حرية التعاقد التي تتمتع بها الإدارة، فإنه يجب عليها أن تحترم بعض القواعد.

إن المرفق المفوض يتم تحديده مسبقا فيما يخص موضوعه و أهدافه و فيما يخص مدته و تمويله، ويتم بالتالي تحديد وظيفة المفوض إليه.

غير أن حرية الاختيار المتروكة للجماعة لا تعفيها كليا من بعض الاكراهات.

الفرع الثاني: قيام المفوض باختياره في وسط تنافسي

للاستفادة بشكل كلي من التفويض، يجب تمكين السلطة المنظمة من القيام باختيارها في وسط تنافسي وهو ما يتم عبر نشر معلومات و الاستعمال العقلاني للمرشحين.

الفقرة الأولى: مبدأ المنافسة وحدوده

كما هو الحال بالنسبة للصفقات العمومية، فإن التفويض يعني انتقاء شريك، و تمارس السلطة المؤهلة للتوقيع على الاتفاقية اختيارها بكل حرية و لكن ليس بطريقة تعسفية.

فلفترة طويلة استفادت الإدارة من حرية كبيرة في اختيار المتعاقد معها،فقبل دخول القانون رقم 05-54 لم تكن هناك أي مسطرة للإعلان عن المنافسة مفروضة بشكل قانوني بهدف إبرا عقود التدبير المفوض، وكان يتم إبرام هذه العقود بالتراضي و هو ما أدى إلى انتقادات لاذعة خاصة فيما يتعلق بالشفافية في إبرام هذه العقود. كما كان يتم إبرام أغلب عقود التدبير المفوض في الممارسة بعد اللجوء إلى مسطرة طلب العروض المنظمة بإرادة السلطات المفوضة بموجب المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، إذ أن هذه العقود كانت تحيل إلى هذا المرسوم في المقتضيات المتعلقة بالإطار القانوني للعقد[11].

فأصبحت هذه الحرية مؤطرة بموجب قانون 05-54 الذي صدر في تاريخ14 فبراير 2006 إذ نصت المادة 5 على أنه: " لاختيار المفوض إليه، يجب على المفوض، ما عدا في الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 6 بعده، القيام بدعوة إلى المنافسة قصد ضمان المساواة بين المرشحين وموضوعية معايير الاختيار وشفافية العمليات وعدم التحيز في اتخاذ القرارات ".وتضيف المادة نفسها على أنه " يجب أن تكون مسطرة إبرام عقد التدبير المفوض موضوع إشهار مسبق"

تهيمن إذن على إبرام العقود ثلاثة مبادئ:

- إشهار يعبر عن الإرادة العمومية للتعاقد.

- إجراء منافسة بين المرشحين.

-المساواة في التعامل بين المرشحين.

غير أنه ليست هناك مساطر محددة لاختيار المفوض إليه، فإذا كان القانون يحدد المبادئ العامة في مجال الشفافية و الإشهار المنافسة،فإنه لا يحيل إلى أي شكل خاص لإبرام العقود كما هو الحال مثلا بالنسبة لطلب العروض بالانتقاء المسبق المعمول به في مجال الصفقات العمومية.كما نص على أن "تحدد أشكال و كيفيات إعداد وثائق الدعوة إلى المنافسة، ولا سيما مختلف مراحلها، بالنسبة إلى الجماعات المحلية من قبل الحكومة و بالنسبة إلى المؤسسات العامة من قبل مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي".

ويعرف مبدأ الدعوة إلى المنافسة عدد محدود من الاستثناءات تسمح باللجوء إلى التفاوض المباشر. إذ تنص المادة 6 على أنه " يمكن اختيار المفوض إليه عن طريق التفاوض المباشر في الحالات الاستثنائية التالية:

أ- في حالة الاستعجال قصد ضمان استمرارية المرفق العام.

ب- لأسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام.

ج- بالنسبة إلى الأنشطة التي يختص باستغلالها حاملو براءات الاختراع أو بالنسبة إلى الأعمال التي لا يمكن أن يعهد بإنجازها إلا إلى مفوض إليه معين.

وتضيف المادة 6 حالة رابعة يمكن فيها للمفوض اللجوء إلى التفاوض المباشر عندما يكون المفوض جماعة محلية و إذا لم يتم تقـديم أي عـرض، أو إذا تم الإعـلان عـن عـدم جدوى الدعوة إلى المنافسة.

وفي هذه الحالة الأخيرة ينص القانون على أنه يجب على المفوض أن يعد تقريرا يبين فيه أسباب اللجوء إلى هذه الطريقة وإلى اختيار المفوض إليه المقترح، ويعرض التقرير المذكور على مصادقة سلطة الوصاية على الجماعات المحلية لاتخاذ القرار بشأن التدبير المفوض للمرفق العام المعني.

بالإضافة إلى ذلك، وضعت المادة 33 من القانون 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة نظاما استثنائيا بالنسبة للعقود " الصغيرة " المبرمة من طرف المؤسسات العمومية التي تخص عددا من مستعملي المرفق يقل عن سقف محدد بنص تنظيمي.

وتنص المادة نفسها على أنه " إذا كان القطاع أو النشاط المعني أو عدد مستعملي المرفق العام لا يبرر أو يسمح بتطبيق هذا القانون، يمكن للجماعة المحلية أو هيئاتها أن تطلب من السلطة الحكومية المكلفة بالوصاية على الجماعات المحلية ترخيصا للقيام بالتدبير المفوض المعتزم عن طريق التفويض المباشر أو وفق مسطرة مبسطة ".

إلا أنه تجب الإشارة أن القانون قد حدد الصيغ العملية لممارسة هذا الاستثناء بالإشارة إلى أن:

- ترخيص السلطة المكلفة بالوصاية يجب أن يمنح بموجبة قرار معلل ينشر الجريدة الرسمية.

- ولا يجوز منح الترخيص إذا تعلق التدبير المفوض بقطاعات الماء والتطهير والكهرباء والنقل العام الحضري وتدبير النفايات.

و في جميع الحالات يمكن للإدارة تحيين الاتفاق حسب التطورات التقنية و المالية و الإدارية لتنفيذ المرفق. و يمكنها اللجوء إلى مراجعة العقد، إذ ينص القانون (المادة 19) على أنه: " يجب أن ينص العقد على عقد اجتماعات وفق فترات منتظمة بين المفوض والمفوض إليه للنظر في مدى تقدم تنفيذ العقد... و يجوز أن يرخص العقد للمفوض و المفوض إليه بإعادة النظر في شروط سير التدبير المفوض قصد ملاءمته مع الحاجيات عملا بمبدأ ملائمة المرفق العام وذلك في احترام التوازن المالي للتدبير المفوض ".

وهو ما يعطي الإمكانية لتعديل مهم عندما تكون الظروف الخارجية للعقد قد تطورت كما هو الحال بالنسبة شروط التموين.غير أن خطر استعمال هذه التقنية من أجل التخلص من بعض التعريفات أو الشروط التي تمليها لعبة المنافسة يبقى كبيرا، لذلك يجب تأطيرها . وعلى العموم ،فإن الملحق لا يجب أن يعدل الشروط المالية للتفويض بطريقة تقلب الاقتصاد العام للعقد، وفي الحالة العكسية، يجب تحرير عقد جديد، وهو ما يتطلب مسطرة جديدة.

الفقرة الثانية: البحث و نشر معلومات كافية

تعتبر المعلومة ضرورة بالنسبة للجماعة المحلية،فهي تسمح لها بالمقارنة و تعطي للجماعة القدرة على معرفة مجال عملها بطريقة محينة ومراجعة متطلباتها.

فمع قانون 05/54 يجب على المفوض إليه أن يبلغ الجماعة تقريرا سنويا يتضمن الحسابات و مجموع العمليات المصاحبة لتنفيذ التفويض، ويعتبر المفوض إليه ملزما بنشر المعلومات المالية،إذ تنص المادة 31 من قانون 05-54 على أنه :" يجب أن ينشر داخل الستة أشهر الموالية لاختتام السنة المالية على أبعد تقدير، القوائم التركيبية، وكذا تقارير مراقبي الحسابات في جريدة مرخص لها بنشر الإعلانات القانونية وتوضع رهن إشارة العموم بمقرات المفوض و المفوض إليه تحت طائلة العقوبات المحددة في العقد".

ومع ذلك فإن هذا التقرير لا يمنح دائما للمنتخبين و المستعملين معلومات مالية و تقنية واضحة لضمان التحكم في المرفق.

وهناك مصدر رئيسي للمعلومة، إذ يمكن للجماعة أن تقرر القيام باستشارة سابقة، وهو ما يوفر لها معلومات مهمة. كما يمكنها الولوج إلى معلومات تقنية من خلال عروض المرشحين، وفي هذا الإطار يمكن أن نشير إلى تأثير المقاولات الصغيرة و المقاولين الأجانب. والهدف هو تشجيع تعدد المتنافسين.

و ترجع هذه المعلومات في جانب منها إلى ضمانات مهنية كالشهادات المهنية و القدرات الإنتاجية: مستخدمين، تجهيزات ، مواد و ضمانات مالية من جانب آخر: رأس المال ، معايير رقم الأعمال، الضمانات البنكية. و يضاف إلى ذلك معايير مرتبطة مباشرة بالنشاط الذي يترشحون لممارسته ما دام أن قدرتهم على ضمان استمرارية المرفق و المساواة أمامه ستكون موضوع فحص و دراسة.

و نظرا لأن لا تماثل في المعلومة يعتبر حقيقيا في علاقة التفويض، من المهم بالنسبة للجماعة إعادة التوازن إليها باللجوء إلى خبرتها الخاصة أو إلى خبراء من خارج الإدارة. فيجب على الجماعة أن تحتفظ بمراقبة تقنية و قانونية و مالية على المفوض إليه تحت عقوبة قانونية أو قضائية من طرف المحاكم الإدارية. وتبرر هذه المراقبة نمط تنظيم المرفق الذي تكرسه السلطة المفوضة،فيجب على المصالح الخاصة للجماعة أن تضع كفاءاتها موضع التنفيذ، و في حالة غياب ذلك، يمكنها اللجوء إلى أجهزة أخرى كمصالح إدارات اللاتمركز أو مكاتب دراسات متخصصة.

المطلب الثاني: واقع التدبير المفوض وتكريس الوضعية الاحتكارية

يؤدي التفويض إلى احتكار عن طريق الحد من حرية المنافسة، و يمكن أن يكون مدهشا أن تقطع السلطة المتعاقدة مع نموذج كلاسيكي مدافع عنه ، إلا أن واقع التدبير المفوض للمرافق العامة يتماشى مع إعداد خاص لوضعية الاحتكار الذي يوفق بين مخاطر السلوك الاحتكاري و ضرورة الاستئثار بممارسة النشاط.

الفرع الأول: احتكار طبيعي وضروري

يتمتع المكلف بالتدبير المفوض للمرفق العام بنظام من الحماية، و عندما تقرر الجماعة المفوضة اللجوء إلى التدبير المفوض و تقوم بانتقاء المفوض إليه، فإنها تجعل قطاعا يفلت من منطق المنافسة التقليدية. ويجعل التفويض الجماعة ملتزمة تجاه مفوض إليه ووحيد، فقد يمنح له احتكار على أساس أهمية اجتماعية معترف بها.

الفقرة الأولى: نظرية الاحتكار الطبيعي المطبقة على تفويض المرفق العام

يمكن لنظرية الاحتكار الطبيعي[12]أن تكون مصدرا مفسرا لسوق يفلت من حرية المنافسة ،إذ أن هناك قطاعات لا يعتبر نظام المنافسة الكاملة بالنسبة لها حلا مثاليا.فبالنسبة لبعض الأنشطة السلعية و التي تعرف كلفة محددة و مرتفعة و مردودية قوية، فإن منافسة القادمون الجدد يمكن أن تكون مدمرة بالنسبة للفاعلين و المستهلكين على السواء. ومن هنا تظهر ضرورة منح الاستئثارية لفاعل واحد[13].

لا يمكن لمقاولات التي تنتج سلع أو خدمات ذات مردودية متنامية أن تزيد من أرباحها إذا تحدد مستوى الأسعار بمستوى التكلفة الهامشية كما تحث على ذلك لعبة المنافسة[14].

و التكلفة الهامشية هي دائمة متناقصة و لكنها أيضا دائما منخفضة عن التكلفة المتوسطة. و بالتالي، فالمقاولة التي تريد بيع منتوجها بثمن يعادل الثمن الهامشي تكون في حالة عجز. وزيادة أرباحها يعتبر مستحيلا مادام أن الزيادة في إنتاجها يؤدي إلى الزيادة في خسائرها[15].

وكل إنتاج إضافي يؤدي إلى خسائر و من شأنه أن يضر بالمقاولات الأكثر هشاشة إلى غاية أن نصل إلى عارض وحيد أو قد لا يكون هناك أي عرض يتماشى مع الوضعية النظرية للاحتكار الطبيعي.

الفقرة الثانية: الاحتكار كضرورة اجتماعية

تتميز أنشطة المرفق العام بأهميتها الاجتماعية، فمستعملي المرفق العام ليسوا مجرد مستهلكين يبحثون عن أقصى إشباع. فالمستعمل هو أسير: استهلاك سلعة أو خدمة يرتبط كليا بمقاولة واحدة والماء هو أحسن مثال في هذا الإطار. و الفرد هو في حالة عجز لكي يحدد بشكل عقلاني استهلاكه للخدمة حسب مرونة سعر طلبه.لذلك من الضروري الحفاظ على هذه الأنشطة المرتبطة بمصدر نادر تحت المراقبة.

و يتطابق قطاع الماء مع وضعية الاحتكار الطبيعي هذه و التي يكون فيها المنتج و المستهلك في وضعية هشة. و ينتج الاحتكار من طبيعة النشاط ذاته.

و يعتر المفوض إليه محمي من الناحية القانونية،و يرتكز الاحتكار على التحكم القانوني في سوق مصحوب باستئثارية. و تلتزم الجماعة المفوضة بموجب شروط الاستئثارية بعدم الترخيص لأي مقاولة أخرى للدخول في منافستها لممارسة نشاطها.في حين أن مثل هذه التدابير تمس بحرية التجارة و الصناعة. و إذا لم يكن هناك قانونا ما يمنع الجماعة العمومية و بواسطة إبرام عقد آخر لتفويض هذا النشاط، فإنها تمنع نفسها بموجب عقد التفويض. بالمقابل فإن الصعوبة تظهر عندما يتعلق الأمر بالحد من النشاط بصفة خاصة. فالجماعة لا يمكنها من الناحية النظرية الحد من دخول منافس آخر لممارسة النشاط.غير أنها يمكنها منع الولوج واقعيا.

إن أغلب المرافق العامة المسيرة عن طريق التدبير المفوض تتطلب ترخيصات إدارية خاصة، فتوزيع الماء مثلا يتطلب رخصة لاحتلال الدومين العام. وتأخذ هذه الرخص شكل حق استئثاري للولوج إلى القنوات وهو ما يقتضي التصرف في الطريق العام[16]. و منافسة المفوض إليه مستحيلة من الناحية المادية.

تلتزم الجماعة من الناحية القانونية بمساعدة المفوض إليه و بعدم اتخاذ أي تدبير من شأنه أن يعرض استغلال نشاط المتعاقد معها للخطر خاصة بمنح بعض الرخص لمنافس آخر. هذا الالتزام القانوني هو التزام أدنى في مقابل التزام مطلق وهذا تماشيا مع مبدأ قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير، فحسب هذا المبدأ، فإن تحديث المرفق يعتبر ضروريا للاستجابة للمتطلبات الجديدة و الحاجات الحالية للمستعملين. و هو مبدأ يصحح الالتزام القانوني للسلطة المفوضة و الذي لا يذهب إلى حد أن يفرض على الجماعة منع كل نشاط ينافس المتعاقد معها. و تبقى مصلحة المرفق السبب الأول لإنشاء نمط احتكاري للإنتاج و التسيير. فبسبب خصوصية الوضعية الاقتصادية، يتم تسير الإنتاج في شكل احتكار.

الفرع الثاني: مصلحة المرفق كأساس لهذه الوضعية

إذا كان التنظيم الاحتكاري هو الأنجع لمثل هذه الأنشطة، فإنه يحمل معه بعض المخاطر ،إذ أن الوضعية الاحتكارية قد تؤدي إلى ترجيح مصلحة المقاولة على حساب الجماعة و المستعملين. وينبع تدخل السلطة العامة في المجال الاقتصادي عن طريق وضع المرافق العامة الصناعية و التجارية موضع التنفيذ من انشغال بحماية المصلحة العامة، وهو مفهوم سياسي، وله أيضا إلى قيمة اقتصادية.

الفقرة الأولى: المصلحة العامة كمفهوم اجتماعي

المصلحة العامة هي أولا مفهوم فلسفي، و هي المصلحة المشتركة لكل الأفراد الذين يشكلون المجموعة. و هدف السلطة العامة هو تحقيق أقصى حد ممكن من هذه المصلحة، بمعنى السماح لكل فرد تحقيق أقصى حد ممكن من منافعه. و يمكن أن نشير أن طابع المصلحة العامة لنشاط ما ينبع من تقدير ذاتي[17]و أن السلطات العمومية تقدر الأهمية الاجتماعية أو السياسية للأنشطة التي تعتبر أنها ذات مصلحة عامة.

إلا أن و كما لا حظنا ذلك سابقا،فإن الحفاظ على بعض الأنشطة يتطلب إنشاء احتكار قانوني.و تنتج إرادة الإبقاء على هذه الأنشطة من انشغال السلطة العامة بحماية ولوج كل فرد إلى هذه المرافق. و إشباع حاجات المستعملين هو الباعث الرئيسي لذلك. إذ يشكل اختفاء بعض المرافق أو تدهورها الكيفي خسارة اجتماعية.

وعليه فإن التدخل العمومي يبقى ضروريا للحفاظ على الإنتاج في المستوى الذي تعتبره الجماعة مقبولا. و يتماشى التنظيم المثالي لنشاط حسب الجماعة مع الدفاع عن مفهوم سياسي و اجتماعي للمصلحة العامة.

الفقرة الثانية: الترجمة الاقتصادية لمفهوم المصلحة العامة

يترجم المفهوم الاقتصادي للمصلحة العامة بالزيادة القصوى لمنافع أكبر عدد ممكن من الأفراد و تقليص الخسائر الاجتماعية. وهذا يتطلب تشجيع تسعير الخدمة بالتكلفة الهامشية من أجل السماح للمستعملين للولوج و الاستفادة من المرفق.ولأن الجماعة تريد أن تحافظ على هذا المستوى الذي يتميز بضعف المردودية بالنسبة للمنتج،فإنه يجب عليها أن تجعل النشاط يفلت من طريقة التنظيم الكلاسيكي[18].

ولحماية المصلحة العامة، فإن ولوج المستعملين إلى نشاط المرفق العام يمر عبر تنظيم قانوني مستثنى من القانون الخاص مع إنشاء احتكار.

غير أن وضعية الاحتكار تمثل خطرا حقيقيا على المجتمع يترجم بمصادرة الريع الاحتكاري و بتنظيم غير فعال. إذ يمكن للموقف الاحتكاري أن يتميز بنقص في الفعالية، فبتخلصه من ضغط المنافسة، فإن الفاعل ليس محفزا.كما يمكن أن نلاحظ اتجاها نحو تضخم الاستثمارات. و يزداد حجم الظاهرة إذا علمنا أن البنيات التحتية تقع على عاتق الجماعة. ويسمح تجديد سريع للتجهيزات للمستغل بالحصول أو الزيادة في ربحه عن طريق ربح الفعالية الذي لا يرتبط بتطور في إنتاجه. -مثال قطاع الماء الذي تسيره شركة ليدك -ويبدو أن مصلحة المقاولة القيام بمهمتها في ظل أفضل الشروط، وهو ما يعني التقليل من المخاطر بتسيير شبكة و تجهيزات حديثة و تكاليف الصيانة تعتبر قليلة و الفعالية متزايدة. و يترجم هذا التضخم في الاستثمارات في الواقع إلى أفعال نظرا للتأثير القوي الذي يمارسه المفوض إليه على الجماعة.

بالفعل، فالجماعة تقرر شكليا الأشغال الواجب إنجازها، غير أن تحكمها في الشبكة لا يسمح لها بالتخلص من هذا الضغط من أجل التجديد. وفي الممارسة فإن المفوض إليه هو الذي يملك معلومات بشأن وضعية الشبكة و ضرورة تجديدها و نقص استقلالية المفوض هو الذي يؤدي إلى هذه الوضعية.

إن كل وضعية احتكارية تتضمن مخاطر، وتظهر توترات، و يجب التوفيق بين مصلحة الاحتكار و المصلحة العامة.

خاتمة:

يسمح التدبير المفوض للمرافق العامة باستغلال المرفق في وضعية منافسة محدودة، و تفرض أنماط إنتاج أنشطة المرفق العام و حمايتها في من أجل حماية المصلحة العامة، ووجود بنية إنتاجية تتجه طبيعيا للاحتكار و التي تعبئ البنيات التحتية غير القابلة للاستبدال فيما بينها.

غير أن البنية الاحتكارية تحمل معها مخاطر قد لا تتماشى مع ضرورة إشباع المصلحة العامة بما فيذلك الزيادة في منافع المستعملين.

وفي ظل إطار قانوني مكره،يبقى الهدف هو فتح باب المنافسة عندما يكون ذلك ممكنا، و يجب على الجماعة أن تدعم عوامل المنافسة و يحاول المشرع أن يقترح عليها الأدوات و المساطر الداعمة للمنافسة.

و يبقى التدبير المفوض شراكة متميزة بين القطاعين العام و الخاص على اعتبار أنه يتم ترجيح مصلحة المرفق العام . فبإشراك فاعل خاص في أنشطة حساسة نظرا لطابعها الاجتماعي، يجب على الجماعة أن تتصرف بطريقة توفق بها بين الأمن القانوني و الفعالية الاقتصادية.

إن التدبير المفوض للمرافق العامة لا يتماشى مع طريقة لإنتاج الخدمات الكلاسيكية و التي تمارس عليها منافسة مباشرة. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للسلطة العامة أن تضمن حد أدنى من المنافسة بضمان تسيير حسب ثنائية : الثمن- الجودة.



[1] - Elyaakoubi (M.), le concept de la gestion déléguée, REMALD, série, thèmes actuels, n° 30, p. 59

- ظهير شريف رقم15-06-1 صادر في 15 من محرم1427 ( 14فبراير2006 ) بتنفيذ القانون رقم 05/54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق [2]

العامة، الجريدة الرسمية رقم5404 الصادرة يوم 16 مارس2006، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 66-67 يناير-أبريل2006، ص.296-ص.306.

- المادة2 من قانون05/54 ، المرجع نفسه. بخصوص تعريف التدبير المفوض راجع:محمد يحيا، قراءة نقدية لمفهوم التدبير المفوض على ضوء [3] مستجدات القانون رقم05/54 المؤرخ في 14فبراير 2006،ص.2-3.

www.droitplus.net

- م.بوطريكي، محاضرات في قانون المرافق العامة،، الكلية المتعددة التخصصات بالناضور2008،ص.43-44.[4]

-تجدر الإشارة إلى أن هناك اتجاها فقهيا يميز بين التدبير المفوض و الامتياز.انظر في هذا الصدد:عبد الله حداد، الوجيز في قانون [5] المرافق العامة الكبرى، منشورات عكاظ،2001،ص152، محمد الأعرج، طرق تدبير المرافق العامة بالمغرب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية، عدد52، الطبعة الأولى، 2004، ص.121-122.

[6] - تم انتقاد عجز المقتضيات المتعلقة بمتابعة ومراقبة التدبير المفوض من طرف بعض المنتخبين والمستعملين، خاصة عندما تشكل المرافق العامة التي تم تفويض تسييرها احتكارات، وهنا لا يمكن للسوق أن يقوم بدوره كمنظم.

بالإضافة إلى ذلك انتقد الامتياز بسبب عدم احترام بعض المفوض إليهم لالتزاماتهم التعاقدية في مجال الاستثمارات، وارتفاع الأسعار الذي غالبا ما يتم تبريره بكلفة الاستثمارات المنجزة.

و أدى غياب الالتزام القانوني بالاحتفاظ بمستخدمي التدبير المفوض إلى بعض الاحتجاجات الاجتماعية ،إلا أنه في الممارسة فإن هذا الالتزام كان يقع على عاتق المفوض، وكان يتم التنصيص عليه غالبا في العقود المبرمة .

[7] - ينص الفصل الفصل الحادي بعد المائة من دستور 1996:" تنتخب الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون".

-انظر: م.بوطركي، محاضرات في المرافق العامة، مرجع سابق ،ص.30.[8]

- تنص المادة من 3 من القانون رقم 05/54 على أن : يتولى المفوض إليه مسؤولية المرفق العام مع التقيد بمبدأ المساواة بين المرتفقين و مبدأ [9] استمرارية المرفق ومبدأ ملاءمته مع التطورات التكنولوجية الاقتصادية و الاجتماعية. ويقدم المفوض إليه خدماته بأقل كلفة و في أحسن شروط السلامة و الجودة و المحافظة على البيئة.

[10] -Delaire ( Y.), La délégation des Services P publics Locaux, Les indispensables, Berger-Levrautlt, 2002, p.125.

-راجع،م.بوطريكي،مرجع سابق ،ص..44[11]

[12] - Du Marais (B.), Droit Public de le régulation économique, Amphi, Presser de sciences Po et Dalloz,2004, p.55.

[13] - Ibidem

[14] -Vaté (M.), Leçons d’économie politique, Economica, 8éd.1999, p.155.

[15]- Ibidem

-راجع المادة27 من قانون05/54، مرجع سابق.[16]

[17] -Delvolvé(P.), Droit public de l’économie, Précis Dalloz, 1988, p.56.

[18] --Delvolvé (P.), Op.cit.,p.72.