الثلاثاء، 11 مايو 2010

هل يمكن ان يكون العقد المبرم بين أشخاص خاصة عقدا إداريا

هل يمكن لعقد مبرم بين أشخاص خاصة أن يكون عقدا إداريا؟

) تعليق على قرار المجلس الأعلى عدد725 بتاريخ09/10/2003(

الميلود بوطريكي

أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بالناضور

من وجهة نظر قانونية يحتل التكييف الإداري أو العادي للعقد أهمية بالغة.فمن خلال هذا التكييف يتحدد اختصاص القاضي الإداري أو القاضي العادي. ويمكن أن يكون هذا التكييف محددا بنصوص تشريعية )العقود الإدارية بتحديد من القانون(، ويكون بالتالي من السهل تمييز العقود الإدارية عن العقود الخاصة.غير أنه في حالة سكوت النص – وهو ما يحدث في الغالب- لا يتحدد التكييف الإداري للعقد إلا بوجود معيارين: معيار عضوي و معيار مادي ، و إذا كان المعيار الأخير يركز على موضوع العقد وشروطه ، فإن المعيار العضوي أو الشكلي – وهو الذي يهمنا في هذا التعليق- يهتم أساسا بأطراف العقد ، وحسبه فللاعتراف بالطابع الإداري للعقد يجب أن يكون على الأقل أحد أطرافه الحاضرة أثناء إبرام العقد شخصا من الأشخاص العامة . غير أنه في الممارسة توجد العديد من الاستثناءات عن هذه القاعدة تم تكريسها من طرف القضاء.

وفي هذا الإطار يندرج قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ عدد725 بتاريخ 09/10/ 2003 بين شركة سوكودرا و شركة بلاستومار من جهة و وكالة أدير الوكالة الحضرية للتخفيض من الكثافة السكانية و إنقاذ مدينة فاس من جهة أخرى. وتتخلص وقائعه في أن الشركتين المذكورتين تعاقدتا مع وكالة أدير من أجل تجهيز مركز عين الشقف بقنوات الماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي، وقد قامتا بإنجاز الأشغال حسب الشروط الواردة في دفتر التحملات ، إلا أنه بقي مبلغ مالي في ذمة الوكالة المتعاقد معها فوضعتا مقالا أمام المحكمة الإدارية ملتمستان الحكم لهما بالمبلغ المذكور . غير أن المحكمة قضت بعدم الاختصاص النوعي للبث في الطلب، فاستأنفتا الحكم أمام المجلس الأعلى.

وكان المشكل القانوني في هذه النازلة يتعلق بمعرفة ما إذا كان العقد المبرم بين الطرفين عقدا إداريا أم عقدا من عقود القانون الخاص؟

فصرح المجلس الأعلى بأن العقد يعتبر عقدا إداريا ويخضع لاختصاص القضاء الإداري معتمدا في ذلك على وجود شرطين لتكييف العقد الإداري متجاهلا المعيار العضوي الذي كان يعتبر إلى غاية صدور هذا الحكم معيارا أساسيا هذا التكييف.

وعليه سيتم التعليق على هذا القرار في نقطتين :

الفرع الأول:الاعتراف بالطابع الإداري للعقد: استنتاج غير منتظر

الفرع الثاني: التطبيق الصارم للمعيار المادي: موقف راسخ لقضاة المجلس الأعلى

الفرع الأول: الاعتراف بالطابع الإداري للعقد: استنتاج غير منتظر

إن الطابع الخاص للعقد الذي اعترفت به المحكمة الإدارية بفاس تم رفضه من طرف المجلس الأعلى،رغم عدم وجود شخص عام طرفا فيه.فعلى ماذا أسس هذا الأخير قراره .

الفقرة الأولى:المعيار العضوي: معيار ضروري ولكن غير كاف

لفترة طويلة ، وإلى غاية صدور قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق كان أول شرط يتم البحث فيه من طرف الاجتهاد القضائي الإداري المغربي للاعتراف بالطابع الإداري للعقد هو التأكد ما إذا كان أحد طرفيه شخصا عاما ، وهو ما يتضح من خلال العديد من الأحكام الصادرة في هذا الصدد ، إذ أكد المجلس الأعلى في قضية شركة ريبمو ضد وزير الاتصال في الاستئناف المرفوع إليه ضد الحكم الابتدائي أن: "العقد الذي يربط دار الإذاعة والتلفزة المغربية وشركة ريبمو هو عقد إداري أحد طرفيه مؤسسة عامة للدولة".

وفي قضية مصطفى الإدريسي ضد وزارة الأوقاف أكدت المحكمة الإدارية بمراكش[1] بتاريخ 16/04/2003: "... تعد عقودا إدارية تلك التي تبرمها وزارة الأوقاف في إطار المرفق الذي تضطلع بتسييره وتنظم في إطاره رحلات الحج للمواطنين المغاربة ويرجع بالتالي اختصاص البث في النزاعات الناشئة عن هذه العقود للمحاكم الإدارية ...".

وفي قضية أخرى أكدت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على ما يلي:"بالرجوع إلى وثائق الملف...فإن المدعى عليها شركة مجهولة الاسم، و بالتالي لا يمكن تصنيفها ضمن الأشخاص المعنوية العامة.كما لا يوجد من بين وثائق الملف ما يفيد أن بناء الفندق كان لحساب أحد الأشخاص المعنوية العامة، الشيء الذي يجعل العقد فاقدا لشرط وجود شخص معنوى عام طرف فيه و هو الشرط الذي في غيابه لا مجال لبحث باقي أحدي شروط العقد الإداري، و بالتالي يجعله فاقدا لصبغته الإدارية..."[2].

هذا المعيار يبدو مؤشرا مهيمنا بالنسبة للاجتهاد القضائي في تكييف العقود، غير أنه رغم أهميته فهو غير كاف للغعتراف بالطابع الإداري للعقد، إذ قبل الإجتهاد القضائي أن العقد يمكن أن يكون إداريا حتى و إذا لم يكن يتضمن الشرط العضوي، كما يؤكد على ذلك قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق و الذي جاء فيه:"أن الصفقة المتنازع حول طبيعتها القانونية... طرفاها معا من الخواص... تجعل منها صفقة عمومية و عقدا إداريا تخضع المنازعة المتعلقة به إلى المحكمة الإدارية "

فهل جاء قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق ليعصف باجتهاداته القضائية السابقة و يقلبها رأسا على عقب ،هل يمكن التأكيد أن المعيار العضوي في تكييف العقود الإدارية قد انتهى؟ و أن قرار المجلس الأعلى هو شهادة رسمية لوفاته. غير أن الأمر ليس كذلك.

الفقرة الثانية: قبول نظرية العمل لحساب الشخص العام: تفسير واسع للمعيار العضوي أم تدمير له

لتأكيد أن العقد المبرم بين شخصين عامين لا يكتسي طابعا إداريا لا يكفي توضيح أن العقد لا تتوفر فيه المعايير القضائية الضرورية لتكييف العقد بأنه إداري ، بل يجب بالإضافة إلى ذلك توضيح أن هذا العقد بالنظر إلى موضوعه لا ينشئ بين الأطراف إلا علاقات للقانون الخاص.

على العكس، فإن العقد المبرم بين شخصين خاصين قد لا يكون عقدا إداريا حتى وإذا كان أحد هذين الشخصين يسير مرفقا عاما.و مع ذلك قد يحدث أن يكيف القاضي الإداري العقد المبرم بين شخصين خاصين بأنه عقد إداري، كما هو الحال بالنسبة للقرار الذي نحن بصدد التعليق عليه، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟

في الواقع، ليس هناك تناقض، فما هو مطلوب هو أن شخصا عاما يجب أن يكون طرفا في العقد، غير أن هذا الشرط يمكن تحقيقه بطريقتين:

ü إما أن الشخص العام يعطي وكالة لشخص خاص لإبرام العقد باسم الشخص العام.وهنا لا يبرم الشخص العام مباشرة العقد، بل يوكل لهذا الغرض شخصا خاصا[3]. والوكالة هي القرار الذي يمنح بموجبه شخص ما لشخص آخر سلطة القيام بأمر ما لفائدة الوكيل و باسمه[4].الشخص العام –الوكيل –يمنح وكالة لشخص خاص- الموكل- لإبرام عقد باسم و لفائدة الشخص العام.

ü وإما أن القاضي يعتبر أن الشخص الخاص يتصرف لحساب الشخص العام حتى و إن لم يكن هذا الأخير قد أعطى وكالة صريحة أو ضمنية للشخص الخاص.فما يسمى إذن العمل لحساب الشخص العام ليس لا وكالة صريحة و لا وكالة ضمنية، وهي إمكانية محدودة في بعض المجالات.

و توضح هذه الصيغة الغريبة وضعية تذكر بالوكالة في القانون الخاص و لكنها تختلف عنها. بالفعل فعندما نكون موكلا لشخص ما فإننا نتصرف لحسابه.غير أن القاضي يقبل أن نتصرف لحساب شخص ما دون أن نكون موكله.

في غياب الوكالة، في أية فرضية، يمكن أن نعتبر بأن شخصا خاصا يتصرف أو يعمل لحساب شخص عام؟ وما ذا يعني العمل لحساب ...؟

متى ظهر أن تعاقد الفرد أو الهيئات الخاصة كان في الحقيقة لحساب الشخص المعنوي العام و مصلحته، فإن هذا التعاقد يكتسي صفة العقد الإداري إذا ما توفرت فيه العناصر الأخرى التي يقوم عليها تعريف العقد الإداري.وهو ما أكده قضاة المجلس الأعلى في القرار موضوع التعليق و الذي جاء فيه :"حيث أن الصفقة العمومية المتنازع حول طبيعتها القانونية إذا كان طرفاها معا من الخواص ، فإن أحدهما (المدعى عليها) شركة أسست كما يتبين من اسمها و غايتها من أجل التخفيف من الكثافة السكانية في مدينة فاس القديمة و لإعادة الاعتبار إليها... وأن المتصرفين الأولين بها هم ستة وزراء في حكومة جلالة الملك بصفتهم الوظيفية و اختصاص كل منهم بالمجال الذي أسست الشركة من أجله ،بالإضافة إلى عامل إقليم فاس و مدير الملك الخاص للدولة.... إلى جانب أن الصفقة ذاتها أبرمت من أجل تزويد مركز عين الشقف فاس بالماء الشروب و هي منجزة من طبيعتها أن تقوم بها السلطة العامة …. وأن الشركة المدعية عليها التي تولت ذلك تعتبر في مركز المفوض له من قبل السلطات العامة المختصة( الداخلية، السكنى و التعمير)….. تجعل منها صفقة عمومية و عقدا إداريا تخضع المنازعة المتعلقة به إلى المحكمة الإدارية".

و هو ما أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى منذ مدة ، حيث اعتبرت أن العقود التي تبرمها الشركات المكلفة بتسيير المرفق العام و التي تتضمن شروطا و جزاءات غير مألوفة في عقود القانون الخاص و التي تكشف عن عدم التكافؤ في الالتزامات تعتبر عقودا إدارية تختص بالنظر فيها المحاكم الإدارية.[5]

ومهما تكن المظاهر، فالمهم هو الشخص الحقيقي الذي يتصرف من خلال الشخص المتعاقد لان هذا الأخير يعتبر تابعا كليا للأول أو كامتداد له.

وهذا يمكن أن يدفعنا للاعتقاد أن الأمر يتعلق بالعودة إلى المعيار العضوي لان هناك في الأساس شخص عام أو على الأقل إعادة صياغة هذا المعيار. ولكن في الحقيقة هذا الحل هو على وجه التحديد في ذروة التدمير لهذا المعيار.

على العموم ، ولكي يكتسي العقد طابعا إداريا،يجب أن يكون أحد أطرافه شخصا عاما، ويجب أن يكون حاضرا بصفة مباشرة أو غير مباشرة- ممثل- و يتخذ التمثيل شكل الوكالة.

لذلك يمكن القول أن المعيار العضوي معيار متوفر بصفة غير مباشرة، وأن القاضي الإداري المغربي في القضية موضوع التعليق قد فسر المعيار العضوي تفسيرا واسعا.غير انه مع ذلك يبقى معيارا غير كاف، فللاعتراف بالطبيعة الإدارية للعقد عاد المجلس الأعلى للبحث عن مدى توفر العقد عن المعايير التقليدية الأخرى التي كان يتطلبها المجلس الأعلى منذ إنشائه للاعتراف بالطابع الإداري للعقود.

الفرع الثاني: التطبيق الصارم للمعيار المادي: موقف راسخ لقضاة المجلس الأعلى

حسب اجتهاد قضائي راسخ، وحده العقد الذي يكون أحد أطرافه شخصا عاما يمكن أن يكون إداريا، غير أنه لا يكون كذلك إلا توفرت فيه بالإضافة إلى ذلك الشروط التالية:

- أن يتضمن العقد شروطا استثنائية من القانون الخاص.

- و أن يكون للعقد علاقة بتنفيذ المرفق العام.

فالعقد الذي تجتمع فيه هذه المعايير هو عقد إداري.

الفقرة الأولى: تسيير المرفق العام: سبب غير كاف لتأكيد إدارية العقد

لوصف العقد بكونه إداريا، يجب أن يكون متصلا بالمرفق العام. و يلاحظ أن درجة اتصال العقد بالمرفق العام لا تكون واحدة في جميع العقود، بل تتفاوت حسب نوع العقد، وحسب ما إذا كان المتعاقد يساهم في إدارة المرفق العام بطريقة مباشرة أو بأخرى غير مباشرة. لذا لا يعتبر العقد الذي تكون الإدارة طرفا فيه إداريا إلا إذا كان موضوعه متصلا بنشاط مرفق عام سواء كان إداريا أم صناعيا أو تجاريا ومهما تعددت صور الاتصال بالمرفق العام سواء من حيث تنظيمه أو إدارته أو استغلاله أو المساهمة في إدارته، إلى غير ذلك من صور الاتصال بالمرفق العام في مجال الحياة العملية[6].. أو إذا كان موضوعه استغلال أموال الدولة الخاصة أو التصرف في هذه الأموال.

منذ إجتهادته الأولى ، و المجلس الأعلى يعدد المرفق العام في صف معايير القرار الإداري ، ففي قضية الحيحي محمد[7]حيث تعاقد هذا الأخير مع وزارة التربية الوطنية و الشبيبة و الرياضة – آنذاك – من أجل توظيفه إطارا في قسم الشبيبة و الرياضة، وأثناء قيامه بمهامه دعت إحدى المنظمات النقابية إلى خوض إضراب فشارك السيد الحيحي فيه، الأمر الذي أدى بالوزير إلى أن يصدر في حقه قرارا بتوقيفه عن العمل. اضطر المعني بالأمر إلى الطعن في هذا القرار أمام المجلس الأعلى، وكانت مناسبة لهذا الأخير للفصل في طبيعة العقد المبرم بينه وبين الوزير.و في 17 أبريل 1961 أصدر المجلس الأعلى قراره معتبرا العقد المبرم بينهما عقدا إداريا بقوله: "حيث أن العقد المبرم بين وزير التربية الوطنية و الشبيبة و الرياضة والسيد الحيحي يتسم بصفة عقد إداري سواء من حيث العمل بمكتب الشباب بالرباط التابع لقسم الشباب والرياضة الذي تم توظيف الطاعن للعمل به أو من حيث القواعد التي تحدد واجباته والتزاماته بكيفية مماثلة للموظفين الرسميين".

وفي قرار آخر قضت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بما يلي:" وحيث إنه بالرجوع إلى سندات الطلب وسندات التسلم التي احتجت بها شركة ريبمو، يتضح أن الأمر يتعلق بتوريد مجموعة من الأجهزة التلفزية لمؤسسة الإذاعة والتلفزة المغربية مما يفيد أن الهدف منه تسيير المرفق العام المذكور. وبالتالي يدخل في نطاق الفصل 8 من قانون 41/90 باعتباره عقدا إداريا أحد طرفيه مؤسسة عامة للدولة وموضوعه اقتناء أجهزة لسيرها فلم يكن الحكم المستأنف على صواب عندما اعتبر المنازعة تتعلق بعقد خاص "[8].

وفي نفس الاتجاه ذهبت المحكمة الإدارية بمراكش [9]إلى التأكيد على أنه: "تعد عقودا إدارية العقود التي تبرمها وزارة الأوقاف في إطار المرفق الذي تضطلع بتسييره و تنظم في إطاره رحلات الحج للمواطنين المغاربة، و يرجع بالتالي اختصاص البث في النزاعات الناشئة عن هذه العقود للمحاكم الإدارية...". كما تبنى هذا الاتجاه في عقود التوظيف[10] عقود الامتياز وعقود الإشغال[11] فاعتبرها عقودا إدارية لوجود علاقة بين العقد و المرفق العام.

وقد تم التأكيد على أهمية هذا المعيار مرة أخرى في الاجتهاد القضائي موضوع التعليق بقوله:" إن الصفقة المتنازع حول طبيعتها تكون قد أبرمت من أجل إنجاز مرفق عام( التزويد بالماء الشروب) وأن الشركة المدعية عليها التي تولت ذلك تعتبر في مركز المفوض له من قبل السلطات العامة المختصة( الداخلية ، السكنى و التعمير)... تجعل منها صفقة عمومية و عقدا إداريا ..."

إن الأمر يتعلق بمعيار قديم لتحديد الطبيعة الإدارية للعقود، وهو معيار جد محدد منذ فترة طويلة، فإذا انقطعت الصلة بين العقد و المرفق العام فقد صفته الإدارية و أصبح عقدا من عقود القانون الخاص و لو كان أحد طرفيه شخصا عاما.

غير أن شرط المرفق العام لا يكفي وحده لتحديد الطبيعة الإدارية للعقد. إذ حتى مع وجود مرفق عام فليس هناك ما يمنع الإدارة من تسييره وفق قواعد التسيير الخاص وهو الحال بالنسبة للمرافق العامة الصناعية و التجارية. لذلك يشترط أن يتضمن العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

الفقرة الثانية: تجاوز الشرط الاستثنائي للعقد إلى فحص بيئته

إلى جانب تسيير المرفق العام و لإكمال التكييف الإداري للعقد فحص قضاة المجلس الأعلى ما إذا كان العقد يتضمن شروطا استثنائية.

لكن كيف يمكن أن نتعرف على الشرط الاستثنائي؟

إن الشرط الاستثنائي هو الشرط الذي يمنح لأحد الطرفين حقوقا أو يضع على كاهله واجبات غريبة بطبيعتها لا يمكن أن يرضى به أي شخص يتعاقد في إطار القوانين المدنية و التجارية. يمكن إذن تعريف الشروط الاستثنائية على أنها شروط مبعدة بطبيعتها من العلاقات الخاصة ، وتتميز باستعمال الإدارة لأحدى امتيازات السلطة العامة[12].

ومن الأمثلة على ذلك نذكر الإمكانية الممنوحة للإدارة لفسخ العقد بصفة انفرادية حتى في غياب أي إخلال من طرف المتعاقد بالتزاماته التعاقدية أو سلطة التوقيف التلقائي لتنفيذ العقد بدون إنذار سابق أو تحمل المتعاقد بعض نفقات الضبط أو إمكانية اللجوء إلى التحصيل الجبري للديون. كما أن هذه الشروط قد تكون أحيانا لصالح المتعاقد الخاص مع الإدارة و هو الحال بالنسبة للشروط التي تنص على إعفاء جبائي للمتعاقد أو الشروط التي تمنحه حق تحصيل الرسوم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الشروط الاستثنائية هي الشروط التي تنشئ لا مساواة بين أطراف العقد و التي تعطي للشخص العام تفوقا في مواجهة الشخص الخاص المتعاقد معها. والهدف هو وضع هذا الأخير تحت سلطة الشخص العام. و من الأمثلة على ذلك الشرط الذي يسمح للإدارة بمراقبة النتائج المالية و تعريفة و مستخدمي المتعاقد معها أو بصفة عامة كل شرط يؤهل الشخص العام لمراقبة نشاط أو وضعية المتعاقد معه.tفهذه الامتيازات تمنح للإدارة لأنها هي الساهرة على حماية المصلحة العامة[13].

غير أن هذين التعريفين لم ينجوا من معارضة العميد فيدل الذي أكد:" كيف يمكن للقاضي الإداري الذي لا ينظر إطلاقا في العقود بين الأفراد أن يضبط ما هو مألوف و ما هو غير مألوف؟"[14]

وبالرجوع إلى الاجتهاد القضائي نلاحظ أن القاضي الإداري المغربي لا يعترف بالطابع الإداري للعقد إذا لم يكن يتضمن شروطا استثنائية. وهكذا ذهبت المحكمة الإدارية بفاس في قضية الفابزوري[15] إلى القول أن: "محضر البيع بالمزاد العلني لا يعتبر عقدا إداريا لأنه يفتقر إلى كافة شروط العقد الإداري التي تقتضي أن يكون أحد طرفيه شخصا عاما وأن يظهر في تعاقده بمظهر السلطة العامة و أن يتصل بنشاط مرفق عام بقصد تنظيمه و تسييره، وأن يعتمد في إبرامه وتنفيذه على أساليب القانون العام فيما تضمنه من شروط استثنائية غير مألوفة في روابط القانون الخاص".

كما ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط في قضية وهبي[16] إلى أنه: "لا يمكن إعتبار العقد إداريا، والمحكمة الإدارية لا تختص به إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط ، كأن يكون أحد أطرافه شخصا معنويا عاما وأن يتعلق بتسيير مرفق عام وأن يتضمن شروطا غير مألوفة في القانون الخاص...".

وفي قضية شعالي علال[17] قرر المجلس الأعلى أن: "... مناط النزاع في النازلة هو معرفة طبيعة العقد الذي أبرم... هل هو عقد إداري... أم أن الأمر يتعلق بعقد عادي... وحيث أنه إذا كان الطرفان متفقان على توفر عنصرين من العناصر الثلاثة التي تميز العقود الإدارية عن العقود العادية على اعتبار أن أحد طرفي العقد شخص معنوي عام ، و أن العقد يتعلق بتسيير مرفق عام، فإن الخلاف قائم حول توفر أو عدم توفر العنصر الثالث أي توفر العقد أو عدم توفره على شروط غير مألوفة في العقود العادية... و حيث أن الشرط المشار إليه في الفصل الرابع الذي يخول لمدير الصندوق الوطني للقرض الفلاحي الحق في إنهاء التعاقد المبرم مع المستأنف و إرجاعه إلى إدارته دون تحمل أي تعويض، ليس من جنس الشروط والمقتضيات التي توجد عادة في عقود القانون الخاص بل هو شرط غير مألوف، و حيث أنه اعتبارا لما تقدم فإن العقد المبرم بين المستأنف و الصندوق الوطني للقرض الفلاحي يعتبر عقدا إداريا".

إن ما يميز العقد الإداري إذن هو ما يحتوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة و لا نظير لها في عقود القانون الخاص.غير أن مفهوم الشرط الاستثنائي و تطبيقه العملي غالبا ما يكون صعبا، لذلك يتجاوز القاضي أحيانا الشرط ذاته لفحص بيئته. هكذا يهتم القاضي أحيانا بالوثائق التعاقدية الملحقة للعقد ، إذ يدخل في إطار الشروط الاستثنائية الإحالة على دفتر التحملات الذي يأتي لتنظيم كل ما لا يقوله العقد ذاته. إن دفتر التحملات هو وثيقة عامة توضع قبل العقد من طرف الإدارة المتعاقدة أو من طرف شخص عام آخر.و سبب وجودها يكمن في أنها تحدد مقدما طرق تنفيذ مجموعة من العقود.

كما يبحث القاضي الإداري ما إذا كان العقد يخضع لبعض القواعد المحددة سلفا من طرف القانون أو اللوائح. ومن هذه القواعد نذكر: إعطاء الإدارة حق فرض رقابة على المتعاقد، و إخضاع النزاع المتعلق بالعقد للقاضي الإداري أو إبرام العقود في إطار قانون الصفقات العمومية... و تترجم هذه القواعد نظاما استثنائيا للعقد، و هذا يعتبر كاف لتحديد الطابع الإداري للعقد. وهو ما أكده المجلس الأعلى في القرار موضوع التعليق بقوله : "...إن الصفقة المتنازع حول طبيعتها تكون قد أبرمت من أجل إنجاز مرفق عام( التزويد بالماء الشروب) وأن الشركة المدعية عليها التي تولت ذلك تعتبر في مركز المفوض له من قبل السلطات العامة المختصة( الداخلية ، السكنى و التعمير)إلى جانب إبرام الصفقة في الإطار القانوني لإبرام الصفقات العمومية.كل هذه العناصر مجتمعة تجعل منها صفقة عمومية و عقدا إداريا تخضع المنازعة المتعلقة به إلى المحكمة الإدارية". ونفس التأكيد نجده في قرارات سابقة على هذا القرار[18]ففي قضية محمد الحيحي اعتبر أن "العقد المبرم بين السيد محمد الحيحي وبين وزير التربية الوطنية و الشبيبة و الرياضة يتسم بصفة عقد إداري لأنه يحيل على قانون الوظيفة العمومية و اعتبارا لطبيعة الوظيفة التي أسندت إليه".

ويجب أن نلاحظ أن الطبيعة المختلفة للشرط الاستثنائي في العقد ذاته توضح إرادة الإدارة بجعل العقد إداريا، بينما يوضح النظام الاستثنائي خارج العقد و السابق عليه خضوع الإدارة لبعض قواعد القانون العام.

هكذا يختلف النظام الاستثنائي عن الشرط الاستثنائي في نقطة واحدة: الشرط الاستثنائي هو عنصر، مقتضى، شرط في العقد، على العكس، فإن النظام الاستثنائي يتكون من عناصر خارجة عن العقد.فهو المحيط الذي يسبح فيه العقد.فإذا كان هذا المحيط يسجل قطيعة مع القانون الخاص، فإننا نكون أمام عقد إداري إذ يخضع المتعاقد مع الإدارة لالتزامات غير متضمنة في العقد و لكن تنتج من نصوص عامة خارج عن العقد.

هكذا يبدو أن المجلس الأعلى قد تجاوز الشرط ذاته لفحص بيئته مدد ووسع كثيرا هذا المعيار، ويمكن القول انه المعيار الحقيقي لتكييف عقد ما بأنه عقد إداري.

إلا أن وجود شروط استثنائية في العقد لا يعتبر كافيا لإضفاء الطابع الإداري عليه بل لابد أن يكون للعقد علاقة بتسيير مرفق عام فطالما أن العقود تؤسس على شروط استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص ، فيجب أن يكون لذلك مبرراته ، بأن تكون هذه العقود ذات صلة بالمرفق العام.لذلك، فإن وجود شرط استثنائي يتعايش دائما مع التسيير المباشر للمرفق العام. و هو ما أكده المجلس الأعلى في قضية بولفروج إبراهيم بتاريخ 21 شتنبر1995[19] حيث اعتبر أن: "... العقد لا يكون إداريا إلا إذا توافرت فيه الشروط الثلاثة السابق ذكرها، وتتلخص وقائع هذه القضية فإن السيد بولفروج قد تعاقد مع المكتب الوطني للكهرباء قصد تزويده بالطاقة الكهربائية من أجل تسيير واستغلال مزروعاته بضيعة له منذ20 أبريل 1986، وكان يؤدي مستحقات المكتب بشكل منتظم إلى بداية سنة 1994 فوجئ بقطع تيار الكهرباء عن ضيعته مما تسبب له في عدة أضرار، فرفع دعوى استعجالية أمام رئيس المحكمة الإدارية بمراكش طالبا الحكم (الأمر بإرجاع التيار الكهربائي للضيعة) تحت طائلة غرامة تهديدية، فاعتبرت المحكمة بأن العقد مدنيا فقضت بعدم الاختصاص، فتم الاستئناف و قضى المجلس الأعلى بنفس الاتجاه معتبرا أن العقد المبرم لا يتوفر على الشروط الثلاثة لتكييفه إداريا ، و مما جاء في حيثيات قراره: "... حيث إن الفقه إذا كان يجعل توفر الشرطين... ضروريا لإضفاء صفة العقد الإداري، فإنه لا يكتفي بالشرطين المذكورين، بل يضيف إلى ذلك كما استقر عليه الاجتهاد القضائي شرطا آخر ضروريا وأساسيا وهو أن يتعلق إبرام العقد بتسيير مرفق عام.

وحيث إنه بالرجوع إلى طبيعة العقد المعروض على القضاء فإنه و إن كان مبرما بين مؤسسة عمومية وهي المكتب الوطني للكهرباء و بين الطاعن، و يتضمن شروطا غير مألوفة في العقود الخاصة،إلا أن العقد المذكور لا يتعلق إبرامه بتسيير مرفق عام وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بعقد إداري تخضع النزاعات المتعلقة به لاختصاص المحاكم الإدارية و لكن بعقد عادي...".

إذا كان العقد لا يكون إداريا إلا إذا كان متخذا بالنظر إلى موضوعه ومحتواه في إطار تسيير مهمة المرفق العام وإذا كان يستعمل امتيازات السلطة العامة وبالتحديد استعمال نمط للتسيير العام والذي تعتبر امتيازات السلطة العامة أحد أنواعه المعروفة ولكن ليست الوحيدة ، فإن "المفهومين … امتيازات السلطة العامة والمرفق العام لا يعتبران متناقضين بل متكاملين لأنهما يتموقعان على مستويين مختلفين ، إذ يتموقع المرفق العام الذي يضم المنفعة العامة على مستوى الغايات وتتموقع امتيازات السلطة العامة على مستوى الوسائل، لذلك يتطلب المفهومان أحدهما الآخر ويقدمان سندا مشتركا، لأن الإدارة هي الساهرة على حماية المصلحة العامة وهي مسلحة بامتيازات السلطة العامة التي تسمح لها بتغليبها على المصالح الخاصة"[20].

غير أنه، مادام أن المرافق العامة يمكن تسييرها بإتباع أساليب القانون الخاص، يمكن التأكيد دون مبالغة أن معيار الشروط الاستثنائية يبقى هو المعيار الحقيقي ل تمييز العقود الإدارية عن العقود الخاصة.

في الختام يمكن التأكيد ومن خلال قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق أننا أمام توسع جديد في مجال العقود الإدارية، فالشخص العام إما أن يبرم مباشرة العقد. و لكن أحيانا، بدل المشاركة مباشرة في إبرام العقد، يمكن أن يكون ممثلا بواسطة شخص خاص، و يكتسي هذا التمثيل شكل الوكالة أو العمل لحساب.



[1] - حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 106 بالتاريخ 30/04/2003 مصطفى الإدريسي ضد وزارة الأوقاف، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 53, نونبر/ دجنبر 2003 ، ص: 229-230.

[2] - حكم المحكمة الإدارية بالرباط،رقم 239 بتاريخ 02/03/2004، ملف رقم 428- 01 ش، بين شركة مجموعة أوكسيطك القدميري وبين الشركة السياحية للخطوط الملكية المغربية، حكم أشار إليه محمد الأعرج،المنازعات الإدارية في تطبيقات القضاء الإداري المغربي،نفس المرجع ،ص.151.

[3] - عزيزة الشريف، دراسات في نظرية العقد الإداري، دار النهضة العربية، ص.40.

[4] - انس جعفر، العقود الإدارية، ط الثالثة، دار النهضة العربية، ص. 22.

[5]- قرار عدد 401، بتاريخ 12/10/1995، الشركة الوطنية للتجهيز خليج طنجة ضد شركة البناء و الأشغال مديتراني، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد مزدوج 14-15، ص.156.

[6] - محمد الأعرج، المنازعات الإدارية في تطبيقات القضاء الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، الطبعة الأولى، 2007، ص.1531.

[7]- قرار عدد 135 بتاريخ 17 أبريل 1961 ، محمد الحيحي ضد وزير التربية الوطنية (مجموعة 1961 م.س. ص. 56).

[8] - قرار المجلس الأعلى ، الغرفة الإدارية عدد 904بتاريخ : /2/2003الوكيل القضائي للمملكة ضد شركة ريبمو، ،الدليل العملي للاجتهاد القضائي، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 16،2004،ص.388.أنظر كذلك: م.بوطريكي، العقد و المرفق العام: تعليق على قرار المجلس الأعلى، الغرفة الإدارية قرار904بتاريخ : /2/2003الوكيل القضائي للمملكة ضد شركة ريبمو، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عددد 72-73 ينلير –أبريل 2007،ص.176.

[9]- المحكمة الإدارية بمراكش ، حكم عدد 106 بتاريخ 30/04/2003، مصطفى الإدريسي ضد وزارة الأوقاف ، م.م.إ.م.ت ، عدد : 53 ، نونبر – دجنبر 2003 ، ص. 229.

[10] - قرار المجلس الأعلى عدد 90 بتاريخ 10 ماي 1960 ، المجموعة الفرنسية ، ج1 – ص.123، والقرار عدد 56 الصادر في 9 يوليوز 1959 ، قضية أحمد بن يوسف ، ملف إداري عدد 2402/59 قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية 1958-1997 ، منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين 1997 ، ص.19 .

[11] - القرار رقم 66 بتاريخ 12 ماي 1967 ، الشركة الكهربائية المغربية ، قرارات المجلس الأعلى عدد 1 بتاريخ 8 يناير 1971 ، شركة إتحاد الفنادق شمال إفريقيا ووزير المالية ، ق.م.أ 1966-1970 – ص.3 .

[13]- Pour une nouvelle definition de la clause exorbitante de droit commun dans le droit des contrats administratif, blog de Frédéric Rollin, 3 octobre 2006.

[14]-Remarques sur la notion de clause exorbitante, Mélanges offerts à Achille Mestre; Sirey, 1956, p.539.

[15]- حكم المحكمة الإدارية بفاس بتاريخ 31 مارس 1998، الفابزوري محمد، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد29 أكتوبر-دجنبر 1999،ص.71.

[16] - عبد الرزاق لوهيبي ضد جماعة كنفودة م.م.إ.م.ت ، عدد 53 ، نونبر – دجنبر 2000 ، ص.73.

[17]- قرار المجلس الأعلى بتاريخ 09نونبر1995، علال شعالي ، قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية 1958-1997 ، منشورات المجلس الأعلى في ذاكرة الأربعين 1997 ، ص. 339.

[18] - قرار عدد 135 بتاريخ 17 أبريل 1961 ، محمد الحيحي ضد وزير التربية الوطنية (مجموعة 1961 م.س.
ص.56).

[19] -قرار المجلس الأعلى ،الغرفة الإدارية بتاريخ 2شتنبر 0995،قرارات المجلس الأعلى في المادة الإدارية 1958-1997 ، منشورات المجلس الأعلى في ذاكرة الأربعين 1997 ، ص.119 .

[20]- Flamme (M.-A.), service public et puissance publique, Mélanges Ganshofran den Meersch, Ets Emile Bruylant, tome 3, 1972, p.491, voir aussi Amselek (P.), Le service public et la puissance publique, A.J.D.A., 1968, p.442, Chapus (R.), Le service public et la puissance publique, R.D.P., 1968, p.35.

هناك تعليق واحد: